الاثنين، 28 أكتوبر 2013

ما هذا الذي يُثقِل خطاي ؟


إهداء إلى جماعة الإزميل
بوصفها نهراً وجسراً وضفةً مقابلة . 





كل الأشياء التي بحثت عنها طويلاَ
وجدتها ، بعد أن يئست ، في يدي
وفي يدي ، بعد أن وجدتها ، ضعت..

كل الكلمات التي ألقيتها على مسمع
بحرِ أو نهرِ أو غيمةِ..
صارت أسماكاً في شباك الآخرين..
مطراً يغسل سقوفاً غريبة..
قوارب للذين يعرفون وجهتم وطريقهم ,
وثمة من ينتظرهم على الجهة المقابلة ..

فارغة أعود
فما هذا الذي يثقل خطاي ؟
فارغة كالنسيان ،أعود
كسلال الصيادين الفارغة آخر النهار
كليل الأرامل
كنظرات الساهين عن أكواب القهوة
كبيوت الوحيدين
كغرف من ماتوا ، وقلوبهم معلقة بالحياة..
فارغة أعود
كجيوب الأمل
كصناديق البريد للمنتظرين رسائل لا تجيء
من أصدقاءٍ  قدامى
غادروا مثقلين
بالوعود
وبعنواين كثيرة أضاعوها
في الزحام البعيد


فارغة أعود
فما هذا الذي يثقل خطاي؟
ما هذا الذي يُثبّتني في رأس العالم ،
كمسامير الصليب ؟
ما هذا الذي يسيل من يدي ؟
يدي التي ليست نبعاً
يدي التي ليست رأساً لنبع !

لم أزرع بيدي شجرة
فمن أين لي بكل هذا الحطب؟
لم أدفن بيدي ميتاً واحداً
فكيف استيقظت عليّ ،مقبرة ؟
لم يطرق أحد بابي
لم أفتح لأحدٍ بابي
فكيف بالغرباء امتلأت ؟
وكيف هكذا بينهم ضعت؟




كاتيا راسم
دمشق
20 \10 \2013

الأربعاء، 16 أكتوبر 2013

هو البحر أراد حصته من جثثنا.



ربما غرقوا لأن قلوبهم كانت مثقلة بالذكريات ،
أو لأن البحر رأى في عيونهم ملوحته وفي ابتساماتهم المتقلبة غموضه وارتباكه
فاستعادهم، متخيلاً أنهم  أبناء له ..
أو أنه فقط
البحر
_ أسوة باليابسة_
أراد حصته من جثثنا.






لم يكن
مركب نوح
لكنهم مثله
كانوا هاربين
من الطوفان.

___


كيف أنظر إلى البحر
وأنا لا أعرف
إن كان هذا ماء
أم دموع غرقى؟
إن كان هذا موجاً
أم صرخات يائسة؟
إن كان هذا زبداً
أم كلمات فارغة؟

___

توجعنا أيها البحر
أيها القديم،
كجثثنا ..
المالح،
كدمعة
في عين العالم..
الأزرق..
ككدمة
على ظهر
البشرية.

___


وأحب أن أتخيل
أنه سيصيرون أسماكاً ملوّنة
رسائل في زجاجات
أصدافاً نجمعها كل صيف
أنهم سيصعدون غيماً،
إلى السماء
و بدفء تشريني لذيذ.
على بيوتٍ كانت لهم
بغزارة ،
سيهطلون.




كاتيا راسم
دمشق
16\10\2013

الاثنين، 14 أكتوبر 2013

الحياة في باريس سهلة ،كنزهة.



إلى ج.م ،
 إليه في منفاه الجميل. 



على عتبة بعيدة ستجلس
وحيداً و غريباً كعشبةٍ نبتت في قلب الاسمنت
محاطاً بالضجر
و بكلمات كثيرة
ما كان عليك أن تقولها
____

بلا مأوى في بلادٍ لا تعرف من بلادك سوى حروبها
ستفكر بقصائدك الساكنة رفوفاً أنيقة في بيوت غريبة
وبلا امرأة تأوي إليها
ستفكر بكتبك النائمة بوداعة القطط في حقائب الجميلات.
____

سيكون الوقت متأخراً لتدرك أن القطارات لا تسمح لك بأخذ حياتك معك
سيكون الوقت متأخراً لتدرك أن حياتك بقيت هناك مع الذين لوحّوا لك بأيديهم الذابلة كرايات البلاد.
____

ستحب امرأة شقراء لكن طيبة
امرأة لم تخبر يوماً وعوره لغتك
ولا تفهم قصص طفولتك التي تبدأ دائماً من بساطيل الجنود وتنتهي بجثتك

____

الحياة في باريس سهلة كنزهة
الحياة هناك لا تعتمد على نشرات الأخبار وعدد الجثث وحالة الحدود

و لتخرج من بيتك هناك
ما عليك سوى أن تستمع للنشرة الجوية .

____

سيكون لديك صديقات كثيرات غيري
لكنهن
لا يذبن حزناً عندما يستمعن ل الياس خضر
ولا يبتسمن بألم عندما يقرأن صلاح جاهين..
ولن يفهمن أبدا ارتباك النواب وهو يقول
" مو حزن لكن حزين"





كاتيا راسم
دمشق
23\6\2013


السبت، 12 أكتوبر 2013

( I'M SWEET LIKE CHOCOLATE)





إلى روح لين و ليلى من السلمية
وردتان من ورود سورية كثيرة تم ذبحها بالسكين
والعالم ببرود قطبي يشاهد.

ذُبحتا يوم الخامس من تشرين الأول العام 2013 







أيكما لين ؟ أيكما ليلى ؟ إلى أي رقم كنتما تستطيعان العد ؟ وبأي الحروف كنتما تلثغان ؟
وهل كانت والدتكما تنهاكما عن حمل السكاكين و الأدوات الحادة ؟ ما حكايتكما الخيالية المُفضلة؟
هل كنتما تحبان الطائرات قبل الحرب مثلي عندما كنت صغيرة أجري خلفها حافية في الطرقات ؟
لا أقصد الطائرات التي تقصفنا و تلقي علينا براميل ال T.N.T  ،
بل تلك الطائرات الجميلة التي تأخذ الناس إلى مدن جميلة ،وتجلب أناساً محملين بالهدايا والقصص الممتعة ...

هل كنتما تحبان البلاد ؟ وترددان في حبها الأناشيد؟
كيف كنتما تلفظانها ؟ سوريا بالسين أم ثوريا بالثاء كما يفعل الصغار بهذه الأسنان اللبنية الجميلة ؟
هل قمتما بإلقاء أسنان لبنية للشمس في الصباح لتظهر لكما بدلا منها أسنانٌ جديدة  ؟
هل كنتما تخافان من العتمة ومن النوم بعيداً عن أمكما ؟


أسئلة كثيرة كنتما ربما ستجيبان عنهما لو أن قاتلكما استطاع أن يقرأ تلك العبارة المكتوبة على قميصك
يا لين أو يا ليلى  ( I'M SWEET LIKE CHOCOLATE)

لو أن والدة قاتلكما علّمته في صغره أن لا يحمل سكيناً ، وأن لا يقطف ورداً من حدائق الجيران.

يا صغيرتَي أي عذر أقدمه لكما ؟ كيف تصاغ الكلمات أمام ضحكتكما التي تدين العالم ؟
وكيف عساني أنظر إلى وجهي في المرآة ولا أرى وحشة القبر الصغير في عيونكما ؟

يا صغيرتَي
أنتما حلوتان كالشوكلاة لكن العالم قبيح، العالم قمامة تدور حول نفسها ، 
العالم ابن كلب يا جميلتيّ.




كاتيا راسم
دمشق
12\ 10 \ 2013



الجمعة، 11 أكتوبر 2013

موتى كُثر..




في قلبى موتى كُثر
أنا جنازة 
ضلت طريقها 
إلى المقبرة.

**

تُخيفني الطرقات المتأخرة على بابي..
وعلى شاشة هاتفي ،
تُخيفني الأرقام الغريبة..
تُخيفني صفحة الوفيات
و مذيعات الأخبار اللواتي ببرود قطبي
يذعن أسماء القتلى اليوميين
تُخيفني عينا أمك الدامعتان دوماً
كنبعين لا يمضيان إلى البحر..
يخفيني موتك القديم القديم
واهرب منه
لأجده دائماً ملقيا أمامي
على العتبة
ككومة مُدمّاة
من الدموع
و ثياب الجنود.


___


في الذاكرة هناك
جنازتك الغامضة
الأيدي الكثيرة التي ربتت على كتفي
العيون المُشفقة
الغرباء الذين جلسوا على أريكتك
وتبادلوا عبارات مُعلبّة عن الموت والحياة
ثم مضوا في سحابة ناصعة من النسيان
وهناك
العالم الذي بدا مضحكاً عندما ،
_رغم كل هذا_
لم يتوقّف عن الدوران.

___



إنها حياتي
التي بلا اكتراث
وكدائرة حكومية
دخلتَ إليها وخرجت
دون أن تبالي بيدي
الملوّحة لك بيأس غريق
دون أن تقول وداعاً
أو تترك خلفك رسالة اعتذار
إنها حياتي ..
المُدماة
كمناديل مرضى السل ،
الشائكة
كأسلاك الحدود ،
الشائكة
 كقنفذ يتيم ،
احتضنهُ وأنام.






كاتيا راسم
دمشق
11\10\2013

لا أحد يدخل حرباً ويخرج منها سالماً.




ما الذي سنقوله لأطفالنا، الذين لم يأتوا بعد ،عن هذه الحرب؟
كيف نحدّثهم عن أطفالٍ قُتلوا قبل أن يتعلموا قَول "لا"
عن أمهات متن وهنّ يضعن الكمّادات على جبين العالم المحموم ؟؟
عن نشرات إخبارية تُساق كعربات نقل الموتى؟
عن تفجيرات لم تهز في رأس هذا العالم شعره؟
ما الذي سنقوله عن كل تلك الصرخات التي لا تنطفئ ؟ عن الدماء التي تلطخ أيدينا ؟
عن إخوة حفروا لنا حفراً كثيرة و لم يقعوا فيها ؟
كيف نقنعهم أننا فعلنا ما بوسعنا لنهش كل هذه الغربان عن سمائنا ؟
وأننا حملنا وردة في وجه الدبابة ؟  وابتسامة في وجه الموت ؟ و كلمة في وجه العبوة الناسفة؟
و كيف نخبرهم بعد كل هذا أننا انتصرنا ؟
كيف نقنعهم أن جراحنا ستشفى ؟و أننا سننسى يوماً؟
كيف نقنعهم
أننا دخلنا حرباً 
وخرجنا منها سالمين ؟
___


سيريد أطفالنا رؤية أثر القيود على معاصمنا
وأثر عتمة الزنازين في عمق عيوننا
 ! كيف سنخبرهم أن سجوننا كانت بلا جدران؟
 وأن قيودنا ما كانت تُرى؟

___

يوما ما سيسألنا أطفالنا عن هذه الحروب
عن سبب لكل هذه الدماء
ولأننا لن نملك إجابة جيدة
سنقف أمامهم كطلاب كسالى
ومن زاوية أخرى:
كمجرمين نادمين.



كاتيا راسم
دمشق
11\10\2013

الأحد، 6 أكتوبر 2013

الحياة على مرمى حجر.



لا تحتاج لطريق لتصل،
ولا لخطوات..
لتصل
لا تحتاج لأن تخرج
من هنا حتى.

إلى الصديق الشاعر والصحفي ياسر الزيات
أنا أيضاً مثلك "أحسد الموتى"


لو حياة قصيرة وبسيطة..
لو وردة تنبت خلف حجر..
لو حجر ولا شيء أكثر من حجر..
حجرٌ لا تعرف الوردةُ غيرَه
فتحسبهُ العَالم..
كُلّ العالم.!

__

لو كنتَ هنا الآن
لشاهدت معي الأيام
وهي تتساقط على الأرض
كنشارة الخشب
من أعمارنا
و من أوراق التقويم
لو كنت هنا الآن
لشاهدت الحياة
وهي كعود ثقاب مبلّل
تشتعل للحظة
و كعود ثقاب مبلل
تنطفئ إلى الأبد.
__

لم نقم بكتابة شيء يذكر
ومع هذا ،
غالياً دفعنا ثمن النسيان..
لم نكن ننتظر أحداً
لكننا دون أن نشعر
أفنينا حياتنا في القلق
نرقب الطريق
ونسترق النظر
إلى الساعات
ووجوه العابرين.

___

أرأيت؟
الوقت لا يمضي
إنه يتحجر
وإلاّ ،ما كل هذه القسوة العصيّة على النسيان؟
ما كل هذا الثقل الذي في القلب و الذي في الذاكرة؟
__

أيها الشاعر
كـ"سيزيف"
تحمل العالم كصخرة على ظهرك
وكـ"سيزيف" أيضاً ،
ليس مقدرٌ
لك
أن
تصل
أو
ترتاح
__










كاتيا راسم
من دمشق هنا القاهرة
15\9\2013

"أحسد الموتى " مجموعة شعرية رائعة
للشاعرالمصري ياسر الزيات.




كيف أقود النهر إلى اليباس؟




الذي نثر قمح أحلامه ليستدرج الحقول
وماء عينيه  ليغسل نافذة العمر
الذي أطلق عصفور يده و يده
ليزرع شجرة
لكل
ما في قلوبنا من عصافير

إلى الصديق الشاعر والمترجم محمد الرفرافي
إليه بطريقة أو بأخرى.


كيف أقود النهر إلى اليباس؟
والجسر إلى الهاوية؟
كيف أكلّم ما لا يسمع وألوح للذي لا يرى؟
بأي كلمة أقلّب هذا الفراغ؟
و كيف أنادي على ما لا أعرف له اسماً أو صفة؟
أنا المنتظرة الأبدية لقطارات لا تجيء
المثقّبة كأبراج الحمام
الهائمة كصرخة أخيرة
سأضيع ولن أجد طريقاً تأخذ بيدي إلى المواعيد
أو عازف ناي أتبعه كطفلة مسحورة..
سأضيع دون أن أبرح مكاني
دون أن أخطو خطوة واحدة..
سأضيع كقشة
في إبر الكلام الكثيرة.
__

أزهار بودلير تتفتح في يدي
وأنا شتاء العصافير الطويل
لا شيء أقوله سيغلق هذا الباب الذي تأتي منه الريح
ولا شيء أكتبه سيغسل ما علق بمعطف العالم من وحل
أكتب
و لا ذنب لي ..
هو الله
علمني الأسماء كلها.
__

كغريبة
في ساعة متأخرة
أبحث عن حانة
أو هاتف عمومي
لا لأتحدث مع أصدقاء في مدن بعيدة
لكن أني ربما هناك سأجد
الوحيدين الآخرين
أني ربما هناك سأعثر على
الغرباء
أشقّائي.

__

تخيل معي لو أن العالم يستمع لإيديث بياف
أو أنه يقرأ آراغون أو رامبو
هل كان سيجد وقتاً للحرب؟ أو لدفن الموتى؟
هل تراه كان سيسحق بقدمه وردة؟






 كاتيا راسم
دمشق
7\10\2013

السبت، 5 أكتوبر 2013

أليست الحرب جحيما؟"




"تركوك وحدك في الأرض الحرام بلا حتى أعواد ثقاب.أليست الحرب جحيماً ؟ "
راتب جندي ، وليم فوكنر




يؤلمني الجدار ، تؤلمني صورة القاتل المعلقة كضحكة رقيعة  فوق رأس الجنرال ، تؤلمني النافذة الصغيرة كطابع بريدي على رسالة منسية في عتمة ما ، تؤلمني قدم الجندي تضرب الأرض احتراماً للقاتل فتوجع البلاد، تؤلمني الصرخات البعيدة اليائسة وهي تهوي على قلبي كسياط جائعة لمزيد من الألم ..
نعم تؤلمني يدي أيها الطبيب كما ستؤلمني دائماً كل الكلمات التي كان عليّ أن أقولها ولم أفعل ..

__

المشهد تماماً كالمشهد الأول من رواية "راتب جندي "ل "وليم فوكنر"
الجنود الذاهبون إلى الحرب على متن القطار يتخيلون أزهاراً و أمهات حنونات ينتظرنهم في أماكن بعيدة
ليستطيعوا في ظل هذا الخيال التلذذ باحتساء شراب رديء!
ونحن كم من الأشياء الجميلة علينا تخيلها لننسى كل القطارات التي فاتتنا؟
لننسى كل الحروب التي عشناها؟
لننسى كم أن هذا العالم مبتذل ورخيص كعاهرة لا يلتفت لها أحد؟!

__

الصيّاد سجين رغبته في الفريسة ،
بينما الفريسة حرة .

__


حاولت أن أقنعهم أني لا شيء يذكر
أني حشرة على جبين العالم الذي كعملاق ينام بعمق مخيف
أني دم قتيل لم يلتفت لجثته أحد
أني عمود إنارة يضيء زقاقاً مهجوراً في حي فقير
أني كلمة سقطت سهواً ولم يأبه لها أحد
أني خبر قديم ،و نكتة  لم تعد مضحكة
أني مهرج لا يملك جمهوراً ليصفق له ولا دموعا ليبكيها فتغسل عن وجهه حزنه الدفين
أني فراغ في قلب فراغ ،لا رأس لي بل بالون مليء بالهراء ، لا يد لي لكن مكنسة للعدم
أني عتبة يجلس عليها الفقر والشتاء و العجائز اليائسات
أني شمعة هزيلة في مهب الريح وشعلة ذابلة في ليل العميان الطويل.
أني طريق مسدود و نص رديء لشاعر سكيّر
أني غبار خفيف ذاكرته مثقلة بالغائبين
أني رسالة لا تصل .. معنى لا يكتمل ... وصوت بلا كلمات
أني وأني ..
لم يصدقني أحد
كما أني لم أصدق نفسي..

___                                                              


كنت أسمع صوت أنين السجّان والجلاد ،
و أسمع قوة صمت السجين الضحية ..
وأتذكر وديع سعادة يقول:
"لم نسمع الشجر يصرخ تحت فؤوس الحطابين
بل سمعنا الحطّابين يئنون وهم يقطعون الشجر"





كاتيا راسم
دمشق دائماً
6\10\2013