الثلاثاء، 24 سبتمبر 2013

" أبو عبدو " بائع الغاز .. يُحبني




 إنه الرجل الذي ليس بحاجة للتعريف ،النسخة المكررة للبؤس والفقر والبساطة ،
الرجل الذي يعرفه الجميع هنا لكن إن سألت أحدهم عن لون عيني أبي عبدو سيصفن طويلاً بمحاولة للتذكّر
ليجيب بعد ذلك بأنه لم ينتبه للونهما!

تبدأ جولة أبي عبدو في الصباح الباكر ، الساعة السابعة تقريباً يصعد على ظهر السيارة الزرقاء
المحملّة ب جرار الغاز ، وعلى وقع أغنية "وطني يا جبل الغيم الأزرق" تبدأ معاناته
وهو يجول في شوارع هذا الوطن مع جبل من جرار الغاز الزرقاء ، أبو عبدو لا يملك هذه الجرار كما كنت أتوقع ،
 إنه فقط أجير، عليه أن يبيعها ليحصل على أجرته البخسة عند حلول المساء ..
لا أحد يتحدث مع أبي عبدو إلا ليسأله عن آخر سعر وصل إليه الغاز ويلعن الغلاء، أو ليطلب منه تبديل الجرّة..
لكني كسرت هذا التقليد البغيض ، إذ أني كلما طلبت منه جرة غاز جديدة افتح معه سيرة ..

  ابدأ حديثي بالسؤال عن حاله، فيجيب بلهجة مطعّمة بالقليل من اللهجة الحلبية " من الله مناح"
وهذه إجابة ملغّمة وفيها شكوى خفيّة و محاولة لإبراز الرضا والقناعة في آنٍ معاً ..
وعندما أسأل أبا عبدو عن رأيه في ما آلت إليه البلد
يجيب بالعبارة التي هي مثل دارج " يلي بيتجوز أمي بصير عمي "
أي أنه مع من يحكم البلد كائن من كان .. وهذه أيضاً إجابة ملغمة و حيادية مدروسة !!
إنه يصطنع الرمادية فلا يفضل المعارضة على النظام ولا النظام على المعارضة ..
لأنه يخشى على عمله وعلى حياته لا يعبر عن رأيه بأريحية ،
 لكن إن سألت أبا عبدو إن كان يحب سوريا  فإنه يبتسم ابتسامة تقول الكثير
حتى أنك لا تحتاج لان تعيد عليه السؤال لتحصل على إجابة أكثر بلاغة !!

كل يوم يعبر أبو عبدو بالقرب من شرفتي حيث أجلس وأمامي جهاز الكمبيوتر أكتب لكم وأتصفح الجرائد
ألوح له بيدي فيتلفت يمينا ويساراً ليتأكد أن لا أحد يراه وهو يلوّح لي بالمقابل ..
أبو عبدو لا يقرأ جريدة القدس العربي ولا الحياة اللندنية كل صباح ، حتى أنه لا يقرأ جريدة الوحدة أو البعث !!
ولا يعرف أين تقع جينيف وسيصدقك لو قلت له أنها تقع على المريخ ..
أبو عبدو لا يعرف الائتلاف ولا أحمد الجربا أو صبرا أو هيثم المالح ..
ولا يعرف من أين تبدأ سوريا و أين تنتهي في الجغرافيا أو التاريخ
لكنه في قلبه الجميل والصامت يحب سوريا أكثر بكثير من المعارضين والمؤيدين
 الذين لطخوا الوطن بكلامهم الزائف ، بطمعهم وبمصالحهم الشخصية .


كاتيا راسم
دمشق
25\9\2013



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق