السبت، 21 سبتمبر 2013

إذا كسرت التلفاز ، ستنهال عليك الجثث ..


هامش : للذين لا يعرفون " نايا " فهي أختي الصغيرة البالغة من العمر سبع سنوات
وهي بالصف الأول وليست بالصف الثاني
لأننا في السنة الماضية كنا في ظروف نزوح ولم نسجّلها بالمدرسة ،


نايا تكره الكتب التي انشغل بها عنها و تكره نشرات الأخبار التي تشغل العائلة كلها عنها ،
وتكره الحرب التي ينشغل العالم بأسره  فيها عنها ..

  لم تكن تعرف ماذا تعني كلمة "حرب" بالضبط ، وكانت تظنها "خناقة متل يلي بين ولاد الجيران"
وأن الجميع سيستيقظون بالصباح ليلعبوا معاً، بقلوب صافية لا تحمل أية ضغينة أو رغبة بالقتال من جديد ..
  
اضطرت نايا لأن تطور خزينتها من المصطلحات بسرعة كبيرة لا توازي عمرها
فمن سبونج بوب و شون ذا شيب و دمية باربي  انتقلت لتعرف المدفعية الثقيلة و الهاون
والدوشكا و الحواجز والانشقاقات و داعش والمتشددين و العلمانيين ، التنسيقيات ، الائتلاف ، المجلس الوطني ..الخ

حتى معلوماتها الجغرافية اتسعت، فمن دمشق " حيث بيتنا الذي هدم " واللاذقية "حيث نذهب كل صيف للسباحة"
صارت تعرف كل قرية في سوريا خصوصاً تلك التي حدثت فيها مجازر و اشتباكات ،
صارت تعرف أيضاً ، أمريكا وروسيا و اسطنبول و جينيف 1 وجينيف 2 " بالمناسبة هي تظن أنهما مدينتان مختلفتان !!
لم اصحح لها ذلك رغم أني أعرف أنهما تقعان في جيب النظام  " ما علينا " ..

كانت نايا تعرف أن للجميع دين واحد يقول بأن علينا أن نحب الله وأن لا نسرق أو نكذب أو نؤذي احداً
وصارت ترى كيف أن هناك ألف طائفة كل واحدة تقول أنها " تحب الله أكثر" وبالوقت ذاته تفعل كل ما يغضبه..

اتسعت معرفة نايا الإعلامية فمن طفلة  تتابع "MBC3" تظن أن سبونج بوب يقيم بالصندوق الذي هو التلفاز
وأنها إذا فتحته ستحصل عليه وستتخذه صديقاً لها،
تحولت إلى طفلة تعرف الجزيرة و العربية و BBC  و غيرها من المحطات الإخبارية ..
نايا لم تعد تريد فتح الصندوق " التلفاز " فهي صارت تعرف أنها بدلأ من سبونج بوب ستجد هناك
جثثاً و دبابات وبيوتاً مهدّمة و نساء يصرخن وأطفالاً مشردين..
نايا لم تعد تريد شيئاً سوى أن تذهب إلى المدرسة وتعود سالمة إلى البيت وتجد عائلتها بخير وبيتها الجديد هذا بخير..

حوار دار بيني وبينها انقله كما أتذكر منه ..

نايا:  بالمدرسة قاعد حدي صبي من قامشلو بس نزح للشام بقول انو كردي ؟ هيدول مناح ؟
" ألاحظ أنها تقول " قامشلو" كما يقول الأكراد وليس "قامشلي" كما نقول نحن"

أنا : هلأ يا نانا ما فيني قلك عنو ازا منيح او لا لأني ما بعرفو بكرا مع الأيام انتي بتتعرفي عليه و بتقليلي ازا هو منيح أو لا
" بمحاولة لتعليمها عدم أخذ أي رأي مسبق بشأن أي شخص أو طائفة أو تيار"

نايا : يعني احكي معو ازا حكي معي ، معليه ؟
أنا : أكيد حبيبتي ، لكن كيف فينا نعرف العالم ازا ما حكينا معن ؟
نايا : ما بعرف، بس ليليا خبرتني انو هول الجماعة ما مناح
أنا : ما تردي ع ليليا
بتتزكري لما قالت عنك روزا بنت جيرانا لرفيقتا يلي ما بتعرفك انك بتكزبي وانو ما تحكي معك ؟
نايا : أي
أنا : طيب انتي بتكزبي ؟
نايا : أكيد لا
أنا : طيب شفتي كيف ؟ ليليا متل روزا .. ممكن يكون كلامها ما صحيح
نايا : طيب لشو بيتنا القديم خربوه ؟
أنا : لأنن يلي هدمولنا ياه ما عندن بيوت حلوة ، خربولنا ياه لأنن غيرانين منا
نايا : بس هيدا بيتنا الجديد حلو كتير، رح يخربولنا ياه كمان؟
أنا : لا،  الله ما رح يخليهن
نايا : أنا بحب الله
أنا : وهو بحبك يلا اوام تأخرتي ع المدرسة

احصل على قبلة كبيرة و تغادر نايا إلى مدرستها سعيدة ..

هذه كانت نايا و هذا كان كل طفل سوري ..

كاتيا راسم
دمشق
22\99\2013

هناك 4 تعليقات:

  1. شكراًإلك كاتيا كتير، بالفعل متابعة اللي بتكتبيه عموماًبتمثّل متعة حقيقية بجو صعب أي شخص يظن بإمكانية متعة ما.
    بغض النظر عن كون واقعنا كتير بشع ، بس طريقتك بتعطيه أبعاد جمالية مدهشة، تشرّفت بمعرفتك

    ردحذف
  2. نايا كبرت كثيرا
    في وطن اصبح موبوء بالقتل وتصنيف البشر!

    :في وطن اصبح للموت فيه عيناً كبيره معلقة بالسماء ينظر الى الاطفال من خلالها.
    في وطن اخذ الموت يتلصص على اطفاله من الزوايا
    وينتظرهم في اخر الطرقات!

    احاط الله قلبها وقلوب جميع الاطفال بسور من الامان
    وقاد الله خطواتهم الى اراضي خيالهم التي لايعرفون فيها الا سفونج بوب يخرج لهم من صندوق التلفاز ليلعب معهم ويضحكون معه

    مؤلم ماكتبتي
    رغم انك تجيدين تغليف الالم بغلاف ممزوج بالمتعه!
    اشعر بوخزات الضمير وانا اقراء لك
    كيف لي ان استمتع ولو قليلا بوصف لمأساة!

    هذا مؤلم بحق

    ردحذف
    الردود
    1. نايا هي طفلة من ملايين يعانون ما هو اسوأ ..
      هي الكتابة لنتخلص من القبح بجمالها ..
      شكراً لأمنياتك

      حذف