السبت، 21 سبتمبر 2013

صندوق أسود \ حاجز للجيش النظامي \ طائفية ..



طائفية ..


    شاب بشَعرٍ طويلٍ معقودٍ للخلفٍ يجلسُ إلى جانبي في الحافلة، ومعهُ صندوق أسود لآلة موسيقية "غيتار" على الأرجح ،الشّاب مسيحيٌ ، عرفتُ ذلكَ من وشمٍ صغيرٍ على ظاهر كفه .. 
امرأةٌ محجّبةٌ في العقد السّادس من عمرها، تجلس أمامنا، و شاب ربما بالخامسة عشر من عمره يجلس في المقعد المجاور لها ،كان يرتدي سواراً أخضر في معصمه " إنه علوي" ..

    الشّاب علوي والمرأة سنيّة و الشّاب الآخر ذو الشَّعر الطّويل مسيحي ،
وأنا لست مُحجّبة ولا أضع صليباً ولا ارتدي خلعة خضراء ، كنتُ مجهولة الهوية الدينية تماماً ..
انطلقت بنا الحافلة ،كنّا نحتّل مقعدين متقابلين في الحافلة الصغيرة "السرفيس"مما أتاح لنا تبادل النظرات بسهولة، نظرات مفهومة وأخرى غير مفهومة ..

   المرأة كانت تنظر إلى الشاب بجانبها "إلى يده تحديداً " ثم تنظر من النافذة ، تنظر إلى الشاب المسيحي وآلته الموسيقية و تعود بنظرها إلى النافذة ، تنظر إلي بدأ من شعري المجموع بطريقة عشوائية مروراً بملابسي البسيطة ، انتهاء بالحذاء الرياضي الذي كنت البسه وتعود من جديد بنظرها إلى النافذة ..

   الشاب الصغير ذو السوار الأخضر ، كان ينظر إليّ كعاشق ،إنه مراهق في الخامسة عشر من عمره
وهذا يبرر له ، ثم ينتقل بنظره إلى الشاب المسيحي الجالس إلى جانبي بطريقةٍ فيها غموض وحسد
ويعود بنظره إلى المرأة بجانبه ..

 الشاب المسيحي ايضاً كان ينظر إلى الجميع وإليّ بطريقة غامضة ، شعرت بها كأنها تقول " ما دينك؟"

  سارت بنا الحافلة وأنا اشعر بالجميع ينظر إلي باحثاً عن إشارةٍ تدل على ديني أو طائفتي
العلوي ربما حسبني علوية ، السنيّة ربما ظنت أنني سنيّة ، المسيحي ربما حسبني مسيحية..
وهكذا حتّى توقّفنا عندَ حاجزٍ للجيش النظامي ، صعد الجندي مع بندقيته إلى حافلتنا وبدأ بطلب البطاقات المدنية
نظر لبطاقة الشاب العلوي وأعادها إليه بسرعة ،بطاقة المرأة كذلك فهي عجوز ليست قادرة على قتل أحد أو حمل حزام ناسف ، نظر إلى الشاب المسيحي وطلب منه أن يفتح الصندوق الأسود الذي كان يحمل "غيتاراً " بالفعل.. وأعاد له بطاقته المدنية ..
حان دوري،  أخذ هويتي بينما جميع من بالحافلة يحاولون استراق النظر إليها علّهم
يقرأون اسم عائلتي أو المكان الذي أتيت منه وبالتالي يستنتجون طائفتي ..

نظر الجندي إلى هويتي المدنية طويلاً و إلي بشكل مطول أكثر ، ابتسم ، وأعاد لي البطاقة ..
ضرب بيده على الحافلة من الخارج كإشارة للسائق أن الأمور بخير وأن بإمكان الحافلة الانطلاق..
وهكذا انطلقت الحافلة بنا و عاد الجميع يرمقون بعضهم بعضاً بنظراتٍ حذرة و يرمقونني بنظرات غامضة ..
شعرت بنفسي الطرف الذي أعطى التوازن لهذا المزيج ،
لم أرجح كفّة أية طائفة ، لم يكن هناك أقليات ولا أكثرية..
مسيحي ، مسلمة سنيّة ، مسلم علوي .. وأنا
وهكذا حتى وصلنا بسلام إلى وجهتنا ، لم نختلف ، لم نتشاجر ، لم نقتتل فما بيننا ..

كاتيا راسم
دمش
21\9\2013

هناك تعليقان (2):

  1. لماذا اصبحت الطائفة , والقبيلة , واللون , تحدد مسار حياتنا يا صديقتي , أنا غاضب من هذا العالم من أجل هذا ,,,

    ردحذف
    الردود
    1. هذا هو العالم ، من قبل ، من هابيل وقابيل ..
      محبتي

      حذف